سورة الأعراف - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)} [الأعراف: 7/ 44- 47].
هذا إخبار من اللّه عزّ وجلّ عما يكون بين فريقي المؤمنين والكافرين في الآخرة، وخبر اللّه صدق واقع لا محالة، عبّر عن معان مستقبليّة بصيغة ماضية، لإفادة تحقق وقوعه، واستقرار حدوثه، حتى لكأنه أصبح حديثا يتناقله الناس عن الماضي، وهذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع وتوبيخ وزيادة في الكرب. ويحصل النداء بعد استقرار الفريقين في الجنة والنار.
والنداء الصادر من أهل الجنة لأهل النار يحصل بصفة جماعية أو فردية، ومضمون النّداء: أن أصحاب الجنة يقولون لأهل النار: قد وجدنا ما وعدنا ربّنا على ألسنة الرّسل من النعيم والتكريم حقّا، فهل وجدتم ما وعدكم ربّكم من الخزي والنكال حقّا؟ فقالوا: نعم، فنادى مناد أو مؤذّن بين الفريقين: أن لعنة اللّه على الظالمين، أي إن اللعنة وهي الطرد من رحمة اللّه مستقرة على الظالمين أنفسهم بعدم الإيمان.
وهذا المنادي أو المؤذن إما مالك خازن النار أو ملك آخر غيره.
وأوصاف هؤلاء الظالمين: هي أنهم الذين يمنعون الناس عن اتّباع سبيل اللّه وشرعه وما جاءت به الأنبياء، ويطلبون أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة، حتى لا يتبعها أحد.
ومن أوصاف الظالمين: أنهم بلقاء اللّه في الدار الآخرة كافرون، أي جاحدون مكذّبون بذلك، لا يصدّقونه ولا يؤمنون به، فلهذا لا يبالون بما يأتون من منكر القول والعمل.
وبين فريقي الجنة والنار حجاب حاجز مانع من وصول أهل النار، وهو السّور الذي وصفه اللّه تعالى بقوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ} [الحديد: 57/ 13]. وأعالي السّور: هي الأعراف، وأهل الأعراف على أعالي ذلك السّور رجال يرون أهل الجنّة وأهل النّار، ويعرفون كلّا منهم بعلامتهم من بياض وجوه المؤمنين وسواد وجوه الكافرين. وأهل الأعراف: هم قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم، فلم يتأهّلوا للجنّة، ولم يستحقّوا النّار، وقفوا هناك على السّور حتى يقضي اللّه فيهم.
ونادى أصحاب الأعراف أهل الجنة قائلين لهم: سلام عليكم، والحال أنهم لم يدخلوا الجنة، ولكنهم يطمعون في دخولها، لما بدا لهم من يسر الحساب، ولاعتمادهم على سعة فضل اللّه ورحمته.
والناس جميعا في ذلك الموقف بين الخوف والرجاء. روى أبو نعيم الأصفهاني عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قال: لو نادى مناد: يا أهل الموقف، ادخلوا النار إلا رجلا واحدا، لرجوت أن أكون ذلك الرجل، ولو نادى: ادخلوا الجنّة إلا رجلا واحدا، لخشيت أن أكون ذلك الرجل.
وتكميلا للمشهد أخبر اللّه تعالى عن أهل الأعراف: أنه إذا حولت أبصارهم نحو أهل النار من غير قصد، فرأوا وجوههم مسودّة، وأعينهم مزرقّة، قالوا متضرّعين إلى اللّه تعالى: ربّنا لا تجعلنا مع هؤلاء القوم الظّالمين أنفسهم.
وهكذا ترى الفارق واضحا في نظرات أهل الأعراف، فهم إن نظروا إلى أهل الجنة سلّموا عليهم، وتاقت نفوسهم إلى اللقاء بهم، وإن نظروا إلى أهل النار، استغاثوا وتضرّعوا ألا يكونوا معهم. وهذا توقّع طبيعي.
حوار آخر بين أهل الأعراف وأهل النّار:
في الآخرة ألوان متعددة من الحوار بين أهل الجنة وأهل النار، وبين أهل الأعراف وأهل النار، الغرض منها كما أخبر القرآن الكريم تبيان الحق لأهل الاستقامة، ومعرفة الباطل لأهل الضّلالة، وكل ذلك أخبر عنه القرآن المجيد سلفا في عالم الدنيا ليحتاط الإنسان ويكون على بيّنة من أمره. قال اللّه تعالى:


{وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)} [الأعراف: 7/ 48- 49].
هذا لون من النداء أو المناظرة والحوار بين أهل الأعراف وأهل النار يراد به توبيخ الكفار وتأنيبهم على غرورهم وتكبّرهم واحتقارهم ضعفاء المؤمنين لفقرهم وحاجتهم.
وتصوير الحوار أن أهل الأعراف: وهم قوم من البشر مذنبون على أعالي السّور بين الجنّة والنار ينادون رجالا من المشركين من أهل النار، يعرفون كلّا منهم بسيماهم، أي بعلامتهم: وهي سواد الوجوه وقبحها في أهل النار وما عليها من الغبرة، وزرقة العيون وتشوية الخلقة، قائلين لهم: أي شيء أغناكم عنه جمع المال، أو اجتماعكم وكثرتكم، واستكباركم عن الإيمان برسالة النّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وتكبّركم على المستضعفين والفقراء من المسلمين كصهيب وبلال وآل ياسر؟ لم يمنع عنكم ذلك كله شيئا من العقاب، ولا أفادكم شيئا من الثواب، بل صرتم إلى ما أنتم عليه من العذاب والنّكال. وتبدّدت مزاعمكم التي كنتم تردّدونها أن من أغناه اللّه في الدنيا، وجعله قويّا هو الذي له نعيم الآخرة، وذلك في قول اللّه تعالى: {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)} [سبأ: 34/ 34- 35].
ثم سألوهم سؤال توبيخ وتقريع عن حال المستضعفين الذين كانوا يضطهدونهم في الدنيا بسبب إيمانهم وإسلامهم كآل ياسر وخبيب وصهيب وبلال الحبشي، فقالوا لهم: أهؤلاء الذين أقسمتم أو حلفتم في الدنيا ألا ينالهم اللّه أبدا برحمة لفقرهم وضعفهم وقلة أتباعهم، وهم الآن في رياض الجنّة ونعيمها ويتمتّعون بخيراتها، وغيرهم من جبابرة الكفار وزعماء الشرك يتقلّبون في حرّ جهنّم ويتلظّون في سعيرها.
أهؤلاء الضعفاء في الدنيا الذين حلفتم أن اللّه لا يعبأ بهم، قيل لهم من اللّه أو من الملائكة: ادخلوا الجنة من غير خوف على ما يأتي، ولا حزن على ما فات؟! وأقسم أهل النار من المشركين: أن أهل الأعراف داخلون النار معهم، فنادتهم الملائكة: إن أهل الأعراف الموقوفين على السّور يقال لهم: ادخلوا الجنّة، لا خوف عليكم في المستقبل، ولا يطرأ عليكم حزن في الحاضر ولا تأسّف على ما فات في الماضي.
وذكر الطبري من طريق حذيفة: أن أهل الأعراف يرغبون في الشفاعة، فيأتون آدم، فيدفعهم إلى نوح، ثم يتدافعهم الأنبياء عليهم السّلام، حتى يأتوا محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم ليشفع لهم، فيشفع، فيدخلون الجنّة، فيلقون في نهر الحياة، فيبيضّون ويسمّون مساكين الجنّة.
وفائدة الحوار المذكور بين أهل الأعراف وأهل النار: تبيان أن الجزاء على قدر العمل، والترغيب في التسابق في أعمال الخير، وأن المعول عليه ليس هو المال والغنى والقوة، وإنما المنظور إليه هو العمل الصالح، وأن الطائعين يتميّزون بالنّضرة، وأن العصاة يعرفون بالغبرة والزّرقة وتشوّه الخلقة.
وإن أساس السعادة والنجاة في عالم الآخرة هو الإيمان والعمل الصالح، وسبب الهلاك والعذاب في النار هو الشّرك أو الكفر، أو التّكبر عن اتّباع رسالة الحق رسالة النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
وفضل اللّه ورحمته يشملان المقصّرين أهل الأعراف الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهذا ترغيب في تفادي التقصير في العمل، حتى لا يتعرّض المقصّرون لشيء من الحسرة والألم، والمهلة والانتظار، والقلق والاضطراب، ويستفاد من ذلك أن على الإنسان أن يكون بصيرا بالعواقب، شديد الخوف من سوء المصير، عظيم الرجاء في إحسان اللّه وفضله ورحمته، واللّه يغفر لمن يشاء، ويرحم من يشاء.
استغاثة أهل النار بأهل الجنة:
إذا اشتد الكرب، وعظم البلاء، وأطبق العذاب بأهل النار لم يجدوا ملجأ إلا الاستغاثة والاستنجاد بأهل الجنة لإمدادهم بالطعام والشراب، وإنقاذهم مما يتعرضون له من النكال والشدة وسوء التقلب في نار جهنم، فترتفع أصواتهم بالنداء لعلمهم بأن أهل الجنة يسمعون نداءهم، وكأنهم يظنون أن أصحاب الجنة قادرون على نجدتهم والإشفاق عليهم، وقد حكى القرآن الكريم خبر هذا النداء فقال اللّه تعالى:


{وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51)} [الأعراف: 7/ 50- 51].
هذا مشهد من مشاهد أهل النار يوم القيامة، يعبر عن سوء حالهم، ويدل على مدى الذل والانكسار الذي يسيطر عليهم، فيطلبون من أهل الجنة أن يمدوهم بشيء من الطعام والشراب، طمعا في الفرج، وأملا في النجاة. والأشنع على الكافرين في مقالتهم لأهل الجنة: أن بعضهم يرى بعضا، وذلك أخزى وأنكى للنفس.
إنهم يطلبون من أقاربهم أن يفيضوا عليهم من الماء للإبراد، أو مما رزقهم اللّه من الأطعمة والأشربة غير الماء. إنهم يستغيثون ويستجيرون مع علمهم بأنهم لا يجابون أبدا، بسبب حيرتهم في أمرهم، وشدة حاجتهم إلى الماء، كما يفعل كل مضطر كالغريق وغيره، يستنجد ويصرخ وهو يعلم أنه لا أمل في النجاة، وأن اليأس هو الغالب.
ويؤكد ذلك أي فقد الأمل: أن أهل الجنة يبادرون إلى الجواب قائلين: إن اللّه تعالى منع الكفار شراب الجنة وطعامها.
قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة، طمع أهل النار بفرج بعد اليأس، فقالوا: يا ربنا، إن لنا قرابات من أهل الجنة، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فأمر اللّه الجنة فتزحزحت، ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم، وقد اسودّت وجوههم، وصاروا خلقا آخر، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا: {أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ}. وإنما طلبوا الماء خاصة لشدة ما في بواطنهم من الاحتراق واللهيب، بسبب شدة حر جهنم.
ثم وصف اللّه تعالى الكافرين أهل النار بأنهم استحقوا النار لاتخاذهم الدّين لعبا ولهوا، واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفتها، عما أمروا به من العمل للآخرة، وجعلوا دينهم أعمالا لا تزكي الأنفس ولا تفيد، بل هي لهو يشغل الإنسان عن الجد، أو لعب لا يقصد منه فائدة صحيحة، فهي كأعمال الأطفال.
إنهم اغتروا في حياتهم الدنيوية بالشهوات والزخارف والزينة واللذات من الحلال والحرام، وسخروا بالدين وأهله، وأعرضوا عن هدي اللّه في قرآنه، فكان جزاؤهم أن يعاملوا معاملة المنسي من الخير لأن اللّه تعالى لا يخرج شيء عن علمه ولا ينساه، ويتركوا في نار جهنم، كما تناسوا لقاء اللّه ولم يعملوا له، وأنكروا ما جاءت به الرسل وآيات اللّه. إن اللّه يتركهم في عذاب النار، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء اللّه يوم القيامة، وكما جحدوا بآيات اللّه التنزيلية والكونية.
وقد سمى اللّه جزاء نسيانهم نسيانا من قبيل المشاكلة والمشابهة لأفعالهم، كما في قوله تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} [الشورى: 42/ 40] مع أن الجزاء حق وعدل وليس سيئة، والمراد من كل هذا أنهم يهملون، وأن نسيان اللّه لهم معناه: أنه لا يجيب دعاءهم ولا يرحمهم، وأن النسيان في قوله سبحانه: {فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ} هو بمعنى الترك، أي تركهم في العذاب، كما تركوا النظر للقاء اللّه يوم القيامة.
إن هذا لون من الإنذار الموجب للخوف وضرورة الاحتراس والحذر من عواقب الكفر والعصيان.
حيرة الكفّار وندمهم في الآخرة:
لم يترك اللّه البشر يسيرون في الحياة هائمين على وجوههم، عاملين بشهواتهم وأهوائهم، وإنما اقتضت رحمته وسوابغ أفضاله تبشيرهم وتحذيرهم، وبيان ما يصلحهم ويرشدهم إلى أفضل السّبل وأقوم المناهج والطرق، وذلك بالقرآن المجيد الكامل البيان، الوافر العطاء والتوجيه، المشحون بالحكم والمواعظ، والقصص والعبر، والوعد والوعيد، والشرائع والأحكام، قال اللّه تعالى مبيّنا خواصّ قرآنه ومزايا كتابه:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8